العلمانية مطلب اسلامي
بقلم
نزار قاسم محمد
ان فيما يجري الان في العراق و بعض البلدان الاخرى من اقتتال طائفي هو الاثبات العملي على ضرورة العلمانية كمطلب اسلامي وينبغي اعادة التفكير في التاريخ الاسلامي لقراءة الحاضر قراءة جديدة . ان من الاسلحة الفتاكة التي حوربت بها العلمانية في العالم العربي و ربما العالم الاسلامي القول انها اختراع مسيحي او اوربي (رغم ان كل مخترعات المدنية الحديثة التي لا نري ضيراً في استخدامها هي من اختراع مسيحي او اوربي ) الذي اوجد حلاً للصراع بين الكاثوليك و البروتستانت و بذلك لا يمكن تطبيقها على التاريخ الاسلامي ، كما ان العلمانية موجودة أصلاً بالنص التأسيسي المسيحي وهو الانجيل ولا وجود لها في النصين التأسيسيين للاسلام اللذين هما القرآن و السنة معاً . ان المسيحيين يستشهدون – بالحقيقة- بآية واحدة وجدت في الانجيل وهي قول المسيح لفقهاء اليهود ( أعطوا مالقيصرلقيصر وما لله لله ) واعتبروا ان هذه الجملة ميّزت بين حكم الدنيا وحكم الآخرة وبين الدولة والدين وبالتالي أمكن لأوربا ان تنجز العلمانية . ان ما وجدته في التاريخ الاسلامي يزيد بكثير عن هذه الجملة وليس حديث رسول الله عن تأبير ( تلقيح ) النخيل الا أحدها اذ قال لهم ( لو لم تفعلوا لصلح ) فأمسكوا عن التلقيح فجاء التمر فاسداً ( اي لم يثمر ) فلما ارتدوا اليه قال قولته المشهورة ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) ، و هناك روايات أخرى تؤكد هذا المنحى التمييزي بين شؤون الدنيا التي يعلمها الناس وبين شؤون الاخرة التي هي علم الهي وما يأتي به الرسل انما هو تركيز على الجانب الاخروي . واذا كان في الجملة الانجيلية سبباً للعلمانية فاني ارى في حديث النخل شيئاً مماثلاً . وأذهب أبعد من ذلك فأقول ان الجملة الانجيلية ليست هي التي صنعت العلمانية الاوربية بل ان العكس هو الصحيح اي ان العلمانية هي التي اكتشفت أهمية هذه الجملة ، اذ ان المسيحية بقيت على مدي 15 قرناً تجمع بين الدين والدولة وتؤلّه الامبراطور البيزنطي ولما جاء أهل الحداثة وحتى يقنعوا المؤمنين المسيحيين ان العلمانية لا تتعارض مع الدين أعطوا أهمية لهذه الجملة . انا أقول نفس الشيء في الاسلام فليس حديث النخيل هو الذي سيصنع العلمانية و انما عندما يحدث وعي علماني سنكتشف أهمية هذه الجملة . لقد ورد في العديد من أحاديث الرسول مسألة التمييز بين النبوة و الملك ثم التمييز بين الخليفة و السلطان ان كل التاريخ الاسلامي قام على ازدواجية الخليفة والسلطان وليس الجمع بينهما ، ففي بداية ظهور الدولة العباسية اصبح السلطان هو الذي يتحكم في الخليفة اي ان السياسة هي التي تتحكم بالدين . فالاسلام على امتداد تاريخه عرف ازدواجية الدنيا و الاخرة وازدواجية الدولة و الدين و النبوة و الملك و الخلافة و السلطان أي ان التمييز هو جزء مؤسس للاسلام . ان قتل الحسين في مذبحة كربلاء الشهيرة كان بأسم السياسية ولم يكن بأسم الدين بالطبع اذ لم يسبق ان اعتدي أحد على سلالة رسول الله بهذا الشكل ، وهكذا ترى تأصل العلمانية منذ ذلك التاريخ الا ان المشكلة اننا لم نكن نراها لذلك قلنا يجب ان نقرأ تاريخنا من جديد حتى نكتشف هذه الابعاد . و كما طورت اوربا العلمانية الانجيلية نستطيع ان نطور بذرة العلمانية في الاسلام . ان في الاسلام التشريع لله وحده وحتى الرسول لا يملك حق التشريع الا بما يوحى اليه وقد حذّر القرآن الرسول من ذلك بقوله ( ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) (46 الحاقة) لأن الرسول بشر وهذه قيمة كبيرة للآسلام بخلاف الاديان التي الّهت النبوة (كالمسيحية) اذاَ هناك في القرآن نفسه تمييزاً بين الله و الرسول البشر فهذه النصوص وغيرها ينبغى اعادة تأويلها وفهمها وان نربطها بتاريخها وسياقاتها في ضوء حاجاتنا نحن لا كما فهمها الاقدمون فهم رجال ونحن رجال . ان العلمانية حاجة تتطلبها الانقسامات الطائفية في العالمين العربي والاسلامي فلا دواء غيرها . في القرآن الكريم لا وجود لدولة ومن اراد ان يكون مسلماَ فليكون ، القرآن يقول (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا ) (3 المائدة) ومات الرسول وليس هناك دولة ولم يكن هناك وزير ولا ملك ولا نوّاب ، الدولة وجدت فيما بعد على حساب الدين وليس بالتوافق معه بدليل مجزرة كربلاء التي كانت لأهداف الدولة كما اسلفنا . ان الدين جرى توظيفه لشرعنة الدولة في التاريخ الاسلامي او بالاحرى لشرعنة الفئة الطاغية التي سيطرت على هذه الدولة . ان الخلفاء كان همهم اللهو والرقص و الجواري و الخمر والنساء فأين كل هذا من الدين حتى نقول الاسلام دين ودولة ان ما حدث في التاريخ- بالتأكيد ليس مسئولية أحد الان - ولكن اذا اعدنا قرائته نرى بوضوح ان هناك تمييزاً واضحاً بين الدين و الدولة أي ممارسة للعلمانية ( ولو بمعناها السيء) اذاَ لماذا لا نمارسها بالشكل الجيد لنلحق
بالغرب الذي سبقنا بمئات السنين .ان العلمانية في العالم العربي ليست ثمرة للقطف بل هي بذرة للزرع ونحن نحتاج الى عملية تربية شاملة تنطلق من المدرسة الابتدائية وصولاً الى اقرارها في الدساتير حتى لا تكون العلمنة فوقية كما في تركيا حيث يتم أسلمة المجتمع من قبل الاسلام السياسي . ان عملية العلمنة ليست معادية للتدين الذي يبقى امراً شخصياً . ان العلمنة ستتيح للاسلام الفرصة للانعتاق من طوق التسييس و الادلجة الذي يكبله به دعاة الاسلام السياسي و بالتالي تعاد له روحانيته التي انتزعت منه بسبب التسييس .
*******************************
ان فيما يجري الان في العراق و بعض البلدان الاخرى من اقتتال طائفي هو الاثبات العملي على ضرورة العلمانية كمطلب اسلامي وينبغي اعادة التفكير في التاريخ الاسلامي لقراءة الحاضر قراءة جديدة . ان من الاسلحة الفتاكة التي حوربت بها العلمانية في العالم العربي و ربما العالم الاسلامي القول انها اختراع مسيحي او اوربي (رغم ان كل مخترعات المدنية الحديثة التي لا نري ضيراً في استخدامها هي من اختراع مسيحي او اوربي ) الذي اوجد حلاً للصراع بين الكاثوليك و البروتستانت و بذلك لا يمكن تطبيقها على التاريخ الاسلامي ، كما ان العلمانية موجودة أصلاً بالنص التأسيسي المسيحي وهو الانجيل ولا وجود لها في النصين التأسيسيين للاسلام اللذين هما القرآن و السنة معاً . ان المسيحيين يستشهدون – بالحقيقة- بآية واحدة وجدت في الانجيل وهي قول المسيح لفقهاء اليهود ( أعطوا مالقيصرلقيصر وما لله لله ) واعتبروا ان هذه الجملة ميّزت بين حكم الدنيا وحكم الآخرة وبين الدولة والدين وبالتالي أمكن لأوربا ان تنجز العلمانية . ان ما وجدته في التاريخ الاسلامي يزيد بكثير عن هذه الجملة وليس حديث رسول الله عن تأبير ( تلقيح ) النخيل الا أحدها اذ قال لهم ( لو لم تفعلوا لصلح ) فأمسكوا عن التلقيح فجاء التمر فاسداً ( اي لم يثمر ) فلما ارتدوا اليه قال قولته المشهورة ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) ، و هناك روايات أخرى تؤكد هذا المنحى التمييزي بين شؤون الدنيا التي يعلمها الناس وبين شؤون الاخرة التي هي علم الهي وما يأتي به الرسل انما هو تركيز على الجانب الاخروي . واذا كان في الجملة الانجيلية سبباً للعلمانية فاني ارى في حديث النخل شيئاً مماثلاً . وأذهب أبعد من ذلك فأقول ان الجملة الانجيلية ليست هي التي صنعت العلمانية الاوربية بل ان العكس هو الصحيح اي ان العلمانية هي التي اكتشفت أهمية هذه الجملة ، اذ ان المسيحية بقيت على مدي 15 قرناً تجمع بين الدين والدولة وتؤلّه الامبراطور البيزنطي ولما جاء أهل الحداثة وحتى يقنعوا المؤمنين المسيحيين ان العلمانية لا تتعارض مع الدين أعطوا أهمية لهذه الجملة . انا أقول نفس الشيء في الاسلام فليس حديث النخيل هو الذي سيصنع العلمانية و انما عندما يحدث وعي علماني سنكتشف أهمية هذه الجملة . لقد ورد في العديد من أحاديث الرسول مسألة التمييز بين النبوة و الملك ثم التمييز بين الخليفة و السلطان ان كل التاريخ الاسلامي قام على ازدواجية الخليفة والسلطان وليس الجمع بينهما ، ففي بداية ظهور الدولة العباسية اصبح السلطان هو الذي يتحكم في الخليفة اي ان السياسة هي التي تتحكم بالدين . فالاسلام على امتداد تاريخه عرف ازدواجية الدنيا و الاخرة وازدواجية الدولة و الدين و النبوة و الملك و الخلافة و السلطان أي ان التمييز هو جزء مؤسس للاسلام . ان قتل الحسين في مذبحة كربلاء الشهيرة كان بأسم السياسية ولم يكن بأسم الدين بالطبع اذ لم يسبق ان اعتدي أحد على سلالة رسول الله بهذا الشكل ، وهكذا ترى تأصل العلمانية منذ ذلك التاريخ الا ان المشكلة اننا لم نكن نراها لذلك قلنا يجب ان نقرأ تاريخنا من جديد حتى نكتشف هذه الابعاد . و كما طورت اوربا العلمانية الانجيلية نستطيع ان نطور بذرة العلمانية في الاسلام . ان في الاسلام التشريع لله وحده وحتى الرسول لا يملك حق التشريع الا بما يوحى اليه وقد حذّر القرآن الرسول من ذلك بقوله ( ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) (46 الحاقة) لأن الرسول بشر وهذه قيمة كبيرة للآسلام بخلاف الاديان التي الّهت النبوة (كالمسيحية) اذاَ هناك في القرآن نفسه تمييزاً بين الله و الرسول البشر فهذه النصوص وغيرها ينبغى اعادة تأويلها وفهمها وان نربطها بتاريخها وسياقاتها في ضوء حاجاتنا نحن لا كما فهمها الاقدمون فهم رجال ونحن رجال . ان العلمانية حاجة تتطلبها الانقسامات الطائفية في العالمين العربي والاسلامي فلا دواء غيرها . في القرآن الكريم لا وجود لدولة ومن اراد ان يكون مسلماَ فليكون ، القرآن يقول (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا ) (3 المائدة) ومات الرسول وليس هناك دولة ولم يكن هناك وزير ولا ملك ولا نوّاب ، الدولة وجدت فيما بعد على حساب الدين وليس بالتوافق معه بدليل مجزرة كربلاء التي كانت لأهداف الدولة كما اسلفنا . ان الدين جرى توظيفه لشرعنة الدولة في التاريخ الاسلامي او بالاحرى لشرعنة الفئة الطاغية التي سيطرت على هذه الدولة . ان الخلفاء كان همهم اللهو والرقص و الجواري و الخمر والنساء فأين كل هذا من الدين حتى نقول الاسلام دين ودولة ان ما حدث في التاريخ- بالتأكيد ليس مسئولية أحد الان - ولكن اذا اعدنا قرائته نرى بوضوح ان هناك تمييزاً واضحاً بين الدين و الدولة أي ممارسة للعلمانية ( ولو بمعناها السيء) اذاَ لماذا لا نمارسها بالشكل الجيد لنلحق
بالغرب الذي سبقنا بمئات السنين .ان العلمانية في العالم العربي ليست ثمرة للقطف بل هي بذرة للزرع ونحن نحتاج الى عملية تربية شاملة تنطلق من المدرسة الابتدائية وصولاً الى اقرارها في الدساتير حتى لا تكون العلمنة فوقية كما في تركيا حيث يتم أسلمة المجتمع من قبل الاسلام السياسي . ان عملية العلمنة ليست معادية للتدين الذي يبقى امراً شخصياً . ان العلمنة ستتيح للاسلام الفرصة للانعتاق من طوق التسييس و الادلجة الذي يكبله به دعاة الاسلام السياسي و بالتالي تعاد له روحانيته التي انتزعت منه بسبب التسييس .
*******************************
No comments:
Post a Comment