Monday, January 24, 2011

نحن و امريكا بقلم عضو حركه التضامن الوطني العراقي الاستاذ نزار قاسم محمد

نحن واميريكا
بقلم
نزار قاسم محمد

   ليس من الصعب ان يدرك أي متابع جاد للسياسة الخارجية الامريكية مدى الفارق بين الموارد الطبيعية والاقتصادية والبشرية الكبيرة التي تتمتع بها الولايات المتحدة وبين درجة النضج المحدود للغاية الذي تحقق في مضمار سياستها الخارجية. ان هذه السياسة تبدو كأنها لا تتلاءم مع موارد الولايات المتحدة فيما يخلق تناقضاً موضوعياً بين ما ينبغي ان تكون عليه سياسة واشنطن تجاه العالم الخارجي انسجاماً مع وزنها الاقتصادي والدولي وبين هذه السياسة كما رأيناها ونراها الان. ان هذا التناقض غالباً ما يؤدي الى كوارث تلحق أضرارً بالغة بالولايات المتحدة نفسها فضلاً عن الدول الاخرى التي تكون موضوعاً لتطبيق هذه السياسات الخارجية غير الناضجة أحياناً وغير المنطقية في أحيان كثيرة أخرى. لذلك كثيراً ما نجد دولاً غربية حليفة للولايات المتحدة تتحفظ على السياسة الخارجية الامريكية خوفاً من ان تسيء الولايات المتحدة استخدام قوتها السياسية في الخارج وهو أمر كثير الحدوث في الواقع. أما اسباب هذا التناقض فانها متعددة، منها مثلاً حداثة عمر الولايات المتحدة كدولة ومنها ايضاً التركيبة الداخلية لنظامها السياسي وهي تركيبة صممت في فترة لم يكن للولايات المتحدة خلالها أي دور دولي ومن ثم فان مكونات النظام السياسي الامريكي وضعت على اسس محلية، وبقيت هذه الاسس حتى خلال الفترة التي تحتم على واشنطن ان تلعب دوراً عالمياً يتجاوز حدودها بكثير، ومنها ايضاً ما أسميه )العقلية المحلية( التي تميز المواطن الامريكي -على وجه العموم –اذ قد ينشغل المواطن بحادث رشوة )مثلاً( ارتكبه مسؤول محلي أكثر مما يهتم بقضية دولية تؤرق العالم وتحتل مقدمة نشرات أخباره وصحفه اليومية  . ان تعريف الولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى تولد من دخان معارك الحرب العالمية الثانية، أي اننا نتحدث عن فترة تجاوزت خمسة عقود بقليل من التجربة في المجالات الدولية وهي فترة غيركافية لانضاج السياسة الخارجية الامريكية. اضافة الى ذلك تاتي عوامل اخرى منها مثلاً ان العقل الامريكي العام تشكل منذ ولادة المجتمع الامريكي على ما يعرف )بالبزنس( ان صح التعبير، أي ان البزنس أصبح طريقة تفكير وطريقة حياة وكان لا بد لذلك بالطبع ان ينعكس على الجهاز الحكومي و من يشغلون مناصبه الرئيسية أيضاً. ان من يعين او ينتخب لشغل موقع مهم يذهب الى وظيفته وهو يفكر كيف يمكنه ان يستثمرها ليعبر منها الى موقع آخر يلي الوظيفة الحكومية ويحقق له فوائد مالية واجتماعية أفضل، فليس من النادر - في هذا السياق - ان نجد شخصاً يشغل موقعاً حكومياً لفترة ما ثم يخرج منه ليشكل شركة استشارية اوليلقي محاضرات هنا وهناك متقاضياً عشرة أضعاف ما كان يتقاضاه قبل ان )يلمع( نجمه بسبب الوظيفة الحكومية اياها. ان عقلية البزنس هذه –حين تطبق على المواقع الحكومية –تؤدي الى اختصار هذه الوظائف الى مجرد جسر للعبور الى مواقع أفضل مالياً واجتماعياً مما يعني حرمان الوظيفة المعنية من تراكم الخبرة والمعرفة اذ يدخل اليها الداخلون ليخرجوا بعد حين فور العثور على وظيفة أفضل. ان الخلل يتعمق حين ننقل هذا التشخيص برمته لنضعه فوق بساط النظام السياسي الامريكي، اذ ان هذا النظام يؤدي –في أغلب الاحوال –الى تغيير الحكومة بأكملها كل أربع سنوات ليأتي طاقم جديد لمدة أربع سنوات اخرى وغالباً ما تضيع السنة الاولى في بحث المسائل والملفات المعلقة ثم يبدأ التحرك لسنة او سنتين ليتبع ذلك انصراف كامل الى التحضير للانتخابات الرئاسية التالية. يبدو من الواضح ان السياسة الامريكية الخارجية لا تفتقر الى عناصر الدراسة المتانية والمعرفة الكافية ولكن الى عنصر الاستمرارية الذي يضمن لها قدراً من الانسجام على مدار فترة زمنية كافية لتؤدي النتائج المطلوبة والافتقار الى الاستمرارية يؤدي الى غياب الاستقرار الداخلي في هيكل هذه السياسة ذاتها وبالتالي غياب الثقة الدولية فيها من الاصل.
     لابد لنا من ان نسلم ان الولايات المتحدة قوة عظمى بحكم مواردها وامكانياتها وهذا امر ليس بوسع أحد تجاهله –بل ان اكثر الويلات التي ألمت بنا هي نتيجة تجاهل هذا الامر  وانكاره –الا انه حين يظهر تناقض بين القدرات والسياسة الخارجية –وهو امر ليس نادر الحدوث –فان القضية لا تعود قضية حيرة الولايات المتحدة في التعامل مع عالم خارجي متناقض ولكنها تصبح قضية حيرة العالم في التعامل مع ولايات متحدة  متناقضة. ان هذا هو ايجاز شديد لآلية عمل المفاصل الرئيسية في السياسة الخارجية الامريكية مع اقرارنا ان المسألة معقدة وتحتاج الى معالجات أكثر تفصيلاُ. ولكن ما يهمنا هنا على اي حال ان نعي الان اكثر من اي وقت مضى ان السياسة الخارجية الامريكية تتحدد الى درجة كبيرةتحت وطأة الاعتبارات المحلية. و لكن على الرغم من ذلك فان هناك عنصراً خارجياً مؤثراً لا يأتي انطلاقاً من المعطيات التي تضعها واشنطن وتتمسك بها لخدمة المصالح الامريكية وانما في اتجاه قدرة
الدولة الخارجية المعنية على فرض تغييرات محدودة في السياسة الامريكية الخارجية بما ينسجم مع مصالح تلك الدولة بصرف النظر عن مصالح امريكا ذاتها، وبتعبير آخر ان ما يؤثر في السياسة الخارجية الامريكية –أحياناً –هو قدرة أي طرف خارجي على التأثير في هذه السياسة بشكل يتجاوز قدرة المصالح الامريكية على صياغة هذه السياسة بشكل مستقل، ولا يعني ذلك )في كل الاحوال( ان المسؤولية تقع على قصور آلية وضع هذه السياسة ولكنها تعني ان الطرف الخارجي المعني نجح في الضغط على مفاصل هذه الآلية )من خارجها( حتى وصل بها الى سياسة )مشوهه( لا تخدم المصالح الامريكية النمطية بقدر ما تخدم مصالح هذه الاطراف. فماذا فعلنا نحن في هذا المجال؟ اعتقد اننا لم نفعل أكثر من الهتاف والدعاء بسقوط امريكا ولكن لا امريكا سقطت ولا عدلت سياستها باتجاه يلائم قليلاً بعض مصالحنا السياسية. لقد آن الاوان ان نسعى الى بلورة فهم متماسك لآلية عمل السياسة الخارجية الامريكية والى تحسين مواقع تأثيرنا في صياغة هذه السياسة. ان علينا باختصار ان لا نعول على سياسة امريكية محددة وواضحة وثابتة باتجاه قضايانا، ينبغي علينا –بدلاً من ذلك –ان نراهن على قوة
فعلنا نحن وعلى قدرتنا نحن في فرض مواقف بعينها أو التأثير على قرارات بعينها و ارغام الادارة على سحب قرارات بعينها . انها عملية صعبة وطويلة ولكن تجاهلها وبالتالي التخلي عنها لن يفيدنا في شيء اذ ستبقى السياسة الخارجية الامريكية على تأثيرها الذي تريده دون ان تنجح من التأثير بها ونحن أصحاب المصلحة الحقيقية في هذه السياسة  . اننا لا نفترض هنا ان تأثيرنا هذا سيصل بالولايات المتحدة الى الاقتناع بتفكيك اسرائيل –مثلاً - ونقل مكوناتها بعيداً عن المنطقة لان هذا لن يحدث الا ان الهدف يجب ان يكون هو الدفع باتجاه خلق توازن في السياسة الخارجية الامريكية. وذلك من خلال تشكيل موقف متماسك وفعال بما يجعل واشنطن تفكر مرتين قبل ان تتخذ قراراتها المتعلقة بنا وان بناء هذا الموقف يتوقف بشكل كبير على العمل الدبلوماسي والذي يجب ان يتجاوز اطار الاتصالات الرسمية المعتادة الى مضمار التأثير في الرأي العام الامريكي بكل الوسائل المتاحة. ان مخاطبة الرأي العام الامريكي عملية ذات نتائج طويلة المدى وهي معقدة ومرهقة ولكنها تبقى العملية الوحيدة ذات النتنائج المؤكدة على المدى الطويل، صحيح ان قدرتنا ربما تبدو محدودة في هذا المجال بسبب التباين في الاخلاقيات والقيم بين مجتمعنا والمجتمع الامريكي الا ان نشاطاً مكثفاً ومدروساً وموحداً سيفيد كثيراً، لذلك يجب علينا ان ننطلق من فهم عميق للساحة الدولية التي نعيش فيها وصياغة اكثر الوسائل فعالية لتحقيق أهدافنا



******************************

No comments:

Post a Comment